عقدة حياتي
بقلم: محمد أحمد زين الدين
الفكر ناتج إعمال العقل الذي هو منحة إلهية من الله العزيز الحكيم ،سبقنا الاوائل بإعمال العقل فنجحوا في بناء حضارات كبيرة من ابرزها حضارة اجدادنا العظام المصريين القدماء،والتى واجهت الكثير من الازمات التى خرجت منها دائما وصارت تحتذي بها وتضع كل تجاربها نصب اعين قادتها وشعبها طوال فترة تألقها.
ومن أمثلة إعمال العقل لدي المصريين القدماء والخروج من عنق الزجاجة ما فعله احد أمراء طيبة (أحمس) مؤسس الاسرة الثامنة عشر حين أيقن بانه لا سبيل لطرد (الهكسوس) من مصر الا بتعلم كيفية ارتياد العجلات الحربية واستقدامها في الجيش المصري قديما وتدريب جنود الجيش والقادة عليها ،وحين تم التدريب بدأ يطرد الهكسوس من مصر قرية قرية ومدينة مدينة وإقليم إقليم،هكذا تعلم من المحنة التى هي الهكسوس واستفاد منها بالعجلات الحربية وخرج من عنق الزجاجة بنصر مشهود وبزوغ نجم الامبراطورية المصرية مرة أخري.
مثال اخر هو (رمسيس الثاني) الذي كان ميقن اشد اليقين بان سيطرة الفرعون-لقب يطلق علي حاكم مصر بمعني بيت الرب في الهروغليفية- علي الشعب وقدسيته لم تعد كما كانت أيام الدولة القديمة ولن يستطيع مهما اوتي من دهاء وبأس ان يدفع المصريين لكي يبنوا له هرما كما بنوا لاجداده من الدولة القديمة قبله بالف عام ولن يستطيع ان يرهق اقتصاد الدولة بتحمل تكاليف بناء هرم بل وحتي لن يستطيع تدبير عدد كبير من الحملات العسكرية فلجأ إلي حل مبتكر جدا وخرج من المحنة بعدم قدرته علي إنفاق الكثير بان انفق القليل في بناء وحفر العديد من المعابد في طول البلاد وعرضها لتعلم الناس بسلطانه وبامجاده بل بان له عيون في كل مكان هكذا ابتكر سلاح جديد الا وهو الدعاية والاعلام فصار اول من يقوم بغسيل المخ في العالم.
مثال اخر ل(تحتمس الثالث) والذي يطلق عليه الغرب (بونابرت مصر) هذا الفرعون العظيم الذي دخل 17 معركة حربية ولم يخسر اي منها علي الإطلاق في احدي اوائل معاركه والتى تدعي (مجدو) استهان به اعدائه واعتقدوا انه ضعيف لانه حديث العهد بالحكم لبلد كبير وعظيم مثل مصر وكان يواجه خطرين اما الهزيمة وخسارة معركة تثبيت حكمه في البلاد والخطر الثاني احتلال البلاد وكانت معركته ترتكز علي ثلاث طرق اثنين منهما متعارف عليهم ويتربص به عندهم جيوش العدو اما الطريق الثلاث فكان الاكثر وعورة وخطرا ولم يكن احد يتوقع منه ان يخاطر بكافة جيشه للخروج من هذا المأزق وعبور طريق مثل هذا للخروج ومفأجأة أعداءه فانتصر وحقق الكثير منها: تثبيت حكمه ونشر في العالم القديم ان في مصر زعامة جديدة لا يمكن كسر شوكتها ابدا.....
ما اريد قوله بمعني اخر ان الاجداد نجحوا في إبهار العالم نتيجة لإعمالهم العقل وانتجوا فكرا ما يزال العالم يدرسه في جامعاته ومدارسه،الدور الان علي الاحفاد هل يمكننا ان نحذو علي خطي الاجداد ونخرج من عنق الزجاجة والازمة الخانقة التى تعصف بنا دون ان نخسر بعضنا البعض ،دون ان نتفرق وتذهب ريحنا هل يمكن ان نصنع حلولا مبتكرة اعتمادا علي ماضينا العريق دون تفاخر او زهو دون ادني قدر من الحماقة ؟
سؤال يطرح نفسه علي كل الاصعدة أخاطب به النخبة ارجو منها ان تتخلي عن خطاب الكراهية وان تتحلي بروح العقل وان تعلي مصلحة الوطن فوق اى مصلحة اخري -مع انى لا اثق كثيرا في ان هناك من سينصت في ظل هذة الدائرة الاعلامية القذرة من خطابات الحض علي الكراهية والقتل والاستعداء- ارجوكم يوما ما ستقفون امام الله وستحاسبون علي كل قطرة دماء اريقت بسبب الانصات والاصغاء لاحاديثكم البراقة ظاهرا القاتمة القذرة باطنا....
تربيت طوال حياتى - مثل كثير من ابناء جيلي - علي العيش في خوف مستمر وانني يجب الا انتمي لاي تيار سياسي كان او ديني ولم أفعل لذلك لم يكن لي اي توجه محدد في حياتى سوي مستقبلي ومصريتى الخالصة التي لا تحمل اي شائبة لاي شيء إن كان.
ومع حدوث ثورة يناير وإتهام المشاركين فيها بالعمالة للخارج ودفاعي المستميت في منزلي عنهم بالرغم من عدم معرفتي الشخصية بهم الا اننى قرأتها تحليليا ان كل ما كانت الصحافة والاعلام والقنوات المعاونة الرسمية تهاجمه بطريقة قذرة وتضربه تحت الحزام فهو علي صواب كما ان مطالب يناير كانت موضوعية جدا "عيش حرية عدالة اجتماعية"،وحين تنحي مبارك شعرت بالحيرة في بداية امر ولكن مع الوقت بدأت عيني تري الحقائق كاملة واتخلص من عباءة "اعتبره ابوك يا اخي" التي رددت كثيرا في الاجواء،وكنت اشعر بالحنق والغيظ كلما سمعتها خاصة واني رأيت (الوريث) في احد لقاءات (شارك) التي دأبت الاعلامية (لميس الحديدي) علي العمل فيها لتلميع واعطاء رونقا ل (الوريث) وكان اللقاء لا يحتوي علي اي رسالة حقيقة ابدا كانت كلها رسائل لتكريس(التوريث) لا أكثر ولا أقل ولذلك قررت ان اكون داعما لاي تيار سياسي سيعارض هذا التوجه فكما قال جدنا عرابي" لقد خلقنا الله أحرارا ولم يخلقنا تراثا او عقارا ووالله الذي لا اله الا هو اننا لن نستعبد - نورث- بعد اليوم" هكذا كانت رؤيتي وتوجهي الوحيد وطنيتي ومصريتي الخالصة لا شيء أخر وهذا ما صنع مني ما اكون وما سأكون.
كانت أكثر اللحظات التى شعرت فيها بالسعادة في حياتى في هذة البلاد حين رأيت أبي وأمى واخواتي يأتون كلهم من أماكن مختلفة ونجتمع مرة واحدة كل واحد(ة) منا يذهب إلي لجنة مختلفة في يوم19 مارس 2011 ليدلي بصوته(ا) ويتحرك بفخر وتفاخر ويقول للجميع هذة مصر التي حلمت بها هذة هي مصر التي عشقتها هذة هي البلد التي حاربت من اجل ترابها يوما في اليمن ويوما اخر في سيناء ويوما اخر عدت مصابا علي قدمي لا أكد اري ما امامي ابدا هكذا كان شعور أبي الذي تربيت علي يديه تربية حازمة تشبه إلي حد كبير التربية العسكرية لم يكن يبتسم كثيرا الا فيما ندر ولكن ذلك اليوم كادت البسمة تكاد تكون هي كافة ملامحه التى اتسمت بالعذوبة وشعرت بانه صغر سنه 20 سنة،اما عن أمي فكانت لا تستطيع الحركة وتجد صعوبة في قضاء حاجيات البيت من تدبير للطعام وباقي شئونه ولكنها ذلك اليوم كانت تقول هذة بلدي ويجب ان أشارك في صنع مستقبلها حتي لو كان موتي في طريق تحقيق ذلك أما عن احدي اخواتي الكبريات فهي تسكن منذ ما يزيد عن العشر سنوات مع زوجها واولادها في منطقة تبعد عنا حدود الساعة ونصف الساعة فجاءت لتدلي بصوتها وكانت المرة الاولي لها ولأبي وامي وأخي الاكبر جاء هو وزوجه واخذ ذلك اليوم اجازة خصيصا للتصويت،وبالرغم من اختلافي معهم وانهم ممن اتبعوا "وقالت الصناديق للدين نعم "وكنت اقول لهم" لا "هي الحل لنبدا علي نظافة ولننهي العهد البائد الا انه كان ما كان،توجهت للجنتي لوضع صوتى فوجئت بجموع لم اراها قبلا في حياتي نعم لم اراها حتي في طوابير العيش بل وحتي النظام بالكامل كان كل شيء يعطي شعورا مختلفة لاول مرة اري مصريين يقفون طابورا يمكن ان يستغرق ساعات حتي ينتهي ولا احد يتأفف ولا احد يحاول تعدي مكان غيره وقفت في الطابور لمدة ساعة وكنت أكاد أطير فرحا مما كانت لا تصدق عيني انى ساراه يوما في حياتي،كل شيء مختلف تماما عما توقعت حينها قلت في نفسي انه الوقت الذي جاء المصريون ليعلموا العالم معني التحضر والديمقراطية وان نتفوق علي أنفسنا وان نرد كيد عمر سليمان في نحره حين قال باننا شعب ليس مؤهل او مستعد للديمقراطية بعد.
اللحظة الثانية كانت حين جاءت انتخابات مجلس الشعب وكنت حينها امارس عادة المشي لمدة ساعة نهارا بعد عملي الذي ينتهي في السابعة صباحا وكان يرافقني حينها فتاة كندية وقالت لي امركم عجيب أيها المصريون -قالتها بطريقة الجزار في فيلم مافيا- لم تتوقعوا هذا من انفسكم وهانتم تعلمونا كما علم اجدادكم العالم المعني الحقيقي للحضارة،اعتقد انها من اجمل لحظات حياتي ان اري هذة الاعداد الغفيرة في الصباح الباكر تاركة اعمالها ومشاغلها فقط لاجل التصويت كنت اتوقع انكم ستأخذون وقتا حتي تعتادوا علي الممارسات الديمقراطية ولكنكم بحق بارعون ويمكنكم تحقيق الكثير في وقت يسير.
اللحظة الثالثة كانت في انتخابات الرئاسة المصرية الاخيرة حين ذهبت لاصوت لحمدين صباحي وكنت اجمع اصدقائي لكي نصوت معا لحمدين لانى كنت اعتبره نبض الثورة وعندما خسر قررت انه لا بقاء لي في هذة البلد ان نجح شفيق لانه كان الممثل الرئيسي للقمع وكنت أفضل الهجرة او الموت دون البقاء تحت حكمه وانتخبت الدكتور محمد مرسي ليس عن قناعة تامة ولكن لانى حسبته سيحسن صنعا وكم فرحت وكنت اشعر بفخر مبالغ فيه في بداية فترة حكمه وتلى ذلك بعض الملل من خطاباته التى امتازت بالسرد المبالغ فيه- كروايات نجيب محفوظ -ولكنه مع كل ذلك اقدره واحترمه واره أفضل ممثل لحالة التخبط التى نمر بها وان كانت تحالفت قوي الظلام مع المعارضة ضده وعزلته.
اسوأ لحظات حياتي كانت حين قرأت خطاب العزل شعرت بغصة وبأني اطعن في ظهري وتكال لى الضربات من كافة الاتجاهات وبان كل ما سعي له المصريون خلال السنتين والنصف السابقتين ذهب هباءا منبثا القي بصوتي واصوات ملايين غيري في مراحيض العسكر وامن الدولة والفلول،وتلا ذلك ذبح المؤيدين للشرعية والدستور - بغض النظر عن تصويتي ب "لا " -و المتعاطفين مع مرسي من بينهم من اعتصموا امام الحرس الجمهوري في واقعة هي الاولي من نوعها والتي جعلتني اشعر باننى لن يكون لحياتى ثمنا قريبا طالما ارتضيت علي شخص مختلف معى في التوجه ان يتم ذبحه(ا) كالشاة ثم سلخها امام الرأي العام علي انها ارهابية بل وتأكيد ان فصيل سياسي ارتكب بعض الاخطاء صار الان ارهابا علي دولة الانقلاب وجئت القشة التي قسمت ظهر البعير بما جاء في خطاب قائد الانقلاب بما يدعوه بطلب التفويض لمحاربة الإرهاب او ليس مهمتك ومهنتك التي تمتهنها يا سيدي وتاخذ راتبك الشهري من جيوب دافعي الضرائب هي محاربة الارهاب ؟!وما به من دلالات بان الحاكم الحقيقي للبلاد هو من هو.....
تريد الان تصفية فصيل سياسي بالكامل لمجرد تعارض افكاره مع توجهاتك ولن يكون تصفية الفصيل فحسب بل كافة المتعاطفين معه والمنحاذين لجانب الشرعية ...
كل ما اراه الان هو تأصيل وتنفيذ جيد لشخص مجتهد في مذاكرة كتاب الامير لنيقولا ميكاقيلي،بل ويعرف جيدا كيفية صناعة الديكتاتور .....
لك الله يا مصر
لك الله يا شعب مصر يا من ارتضيت بالجهل حكما واضعت حقك وهانت ذا متجه لزقاق مسدودة نهايته الله أعلم بما قد يحدث فلنأمل الخير...