الحقائق الخفية فى بداية القاهرة المعزية
بقلم.محمد أحمد زين الدين
فى اواسط القرن الرابع الهجرى\ العاشر الميلادى كانت الخلافة الفاطمية قد
وصلت لعنفوان قوتها وشبابها فى عاصمتها (المهدية) بتونس وقد أن الاوان أخيرا لكى
يظهر الفاطميين انيابهم وقوتهم الحقيقية فى مواجهة عدوهم اللدود فى بغداد والمتمثل
فى الخلافة العباسية، كان الصراع بالفعل على أشده بين القيادتين الفاطمية من اقصى
المغرب الاسلامى والعباسية من قلب العالم الاسلامى على من يثبت للعالم اجمع انه هو
الاحق بخلافة المسلمين وقيادة العالم الاسلامى دون الاخر فجاءت الفكرة لدى
الفاطميين بالحاجة الماسة لإنشأ مدينة تقع بالقرب من بغداد وقد كانت القاهرة
المعروفة لنا حاليا ذات ما يقارب عن الالف ومائة عام من العمر هى بذرة قد غرسها
الفاطميين لتصبح مع الوقت اكبر مدن أفريقيا واقدمها على الإطلاق.
كان لتأسيس مدينة القاهرة قصة مثيرة لانه فور وصول (جوهر الصقلبى) قائد الخليفة
الفاطمى (المعزلدين الله) لمصر 353هـ\969م ، شرع على الفور فى تنفيذ وصية سيده والتى
كانت ببساطة حسب ما وصاه فى وداعه له امام مشايخ (كتامة) بالمهدية بان قال
"والله لو خرج جوهر هذا لوحده لينزلن
فى خرابة (بن طولون) ويبنى مدينة تسمى (القاهرة) تقهر الدنيا"
وفور وصول (جوهر الصقلي) قائد الخليفة الفاطمي (المعز لدين الله) على مصر سنة 358هـ/969م، أخذ على الفور في تنفيذ تعليمات سيده في بناء مدينة في مصر تكون بالنسبة (للفسطاط) مثل (المنصورية) بالنسبة( للقيروان) في إفريقية.
ففي الليلة التي عبر فيها (جوهر) بقواته من (الجيزة) إلى (الفسطاط) وعسكر بقواته في السهل الرملي الواقع إلى الشمال من (القطائع)، وكان يحد هذا السهل جبل المقطم من الشرق والخليج من الغرب. وكان هذا السهل خالياً من العمارة إلا من بضعة منشآت هي: البستان الكافوري ودير للنصارى يعرف بدير العظام (يشغل مكانه الآن الجامع الأقمر) وقصر صغير سمي قصر الشوك كان لبني عُذرة. وأطلقت كتب الخطط على هذا الموقع اسم "المناخ".
وفي نفس الليلة بدأ في وضع أساس قصر كبير وسور يحيط بالقصر ويحدد موضع المدينة الجديدة. ولما كانت أعمال الحفر الأولية ووضع الأساسات قد تمت في أثناء الليل وبعجلة كبيرة، حتى إن أعيان الفسطاط عندما أتوا في صباح اليوم التالي لتهنئة جوهر وجدوا أن أُسس البناء الجديد قد حفرت.وقد بنى جوهر سور المدينة الأول من الطوب اللبن على شكل مربع طول كل ضلع من أضلاعه ألف وثمانين متراً، فكانت مساحة القاهرة في أول تأسيسها 1.166.400 متر مربع، جعل منها 240.141 متراً مربعاً للقصر و 120.050 متراً مربعاً هي مساحة البستان الكافوري ومثلها للميادين وأقيم على الباقي وقدره 686.000 متراً مربعاً حارات المدينة، وجعل قسم منه فراغ تحسباً للزيادة مع الأيام.
وكان قسم كبير من هذا السور في ناحيته الشرقية ما يزال قائماً في زمن المقريزي ويقع خلف سور صلاح الدين بنحو خمسين ذراعاً (28.90 متر) فيما بين باب البرقية ودرب بطوط هُدم في سنة 803هـ. وقد أبدى المقريزي دهشته من حجم الطوب المستخدم في البناء، وذكر أن طول الطوبة الواحدة ذراعاً وعرضها ثلثي ذراع، وأن سمك هذا السور كان كافياً لأن يمر فوقه فارسان جنباً إلى جنب. ولا جدال في أن هذه البقايا كانت قليلة للغاية بما أن الرحالة الفارسي ناصر خسرو أشار أثناء زيارته للقاهرة عام 440هـ/1048م الا أنه "ليس للمدينة سور محصن".
وكانت تفتح في هذا السور تسعة أبواب بابان في السور الشمالي هما: باب النصر وباب الفتوح، وبابان في السور الشرقي وهما: باب البرقية وباب القراطين، وثلاثة أبواب في السور الجنوبي هم: بابا زويلة وباب الفرج، وبابان في السور الغرب يهما: باب القنطرة وباب سعادة. وقد زالت كل هذه الأبواب ولا يوجد منها الآن أي أثر وإن ذكر المقريزي أنه شاهد بقايا أقواس بعض هذه الأبواب.
وفي أول الأمر ظن جوهر أنه يتقرب إلى سيده المعز لو أطلق على المدينة الجديدة اسم "المنصورية" (بمعنى المنتصر أو الظافر) تشبهاً بعاصمة الفاطميين التي أسسها المنصور والد المعز في تونس. ولكن الخليفة المعز قام بتغيير اسمها إلى "القاهرة" حين وصل إلى مصر بعد ذلك بأربع سنوات خاصة وأنه كان قد أعطى أمراً لجوهر عند وداعه له في تونس بتشييد مدينة تسمى القاهرة تقهر الدنيا.
كان
لوصول المعزلدين الله الفاطمى للقاهرة بداية جديدة للخلافة الفاطمية بل ويمكن
القول انها كانت قبلة الحياة التى انعشت وجددت شباب الخلافة الفاطمية فقد قال
العبيد ابوالسلط أمية عقب دخول المعزلدين الله الفاطمى للقاهرة" لله قاهرة
المعز فهى بلد تخصص بالمسرة والهنا" وكان دخوله فى 17 شعبان 358 هـ الموافق 6
يوليو 969م وهو العيد القومى لمحافظة القاهرة.
بعد أن وسّع بدر الجمالي أسوار المدينة الجنوبية
والشمالية ونقلها إلى حيث يدل على موقعها الأبواب الباقية منها إلى الآن. ومن
مميزات الشكل المربع أو المستطيل أنه يوفر للمخطط أضلاعاً مستقيمة وزوايا قائمة
مما ييسر عمليات البناء وقياس مساحة الأرض ويوجد في الوقت نفسه تقاطعاً متعامداً
يحدد وسط المدينة ويوفر مواقع مقسمة ذات أبعاد متساوية. وكان يخترق القاهرة شارع
رئيسي يمتد من باب زويلة جنوباً وحتى باب الفتوح شمالاً في موازاة الخليج أطلق
عليه " الشارع الأعظم" أو "قصبة القاهرة" فهذا هو حكاية الحكاوى فقد قال عنه بن
خالدون عند زيارته لمصر" من لم ير القاهرة وشارعها الاعظم لم ير عز الاسلام"
فهذا شارع له تقاليد مرعية ورسوم متبعة الا وهى" الا يمر به حمل تبن او حطب
الا يسوق به فارس فرسا وكل صاحب حانوت\دكان\محل يضع قنديل يضاء من غروب الشمس
لشروقها وكذلك زير ملىء بالماء خشية نشوب حريق".
وقال
ايضا فى فضل القاهرة فى العلم والتعليم"إنما العلم والتعليم إنما هو بالقاهرة
من مدن مصر بما أن عمرانها مستبحر وحضارتها مستحكمة فاستحكمت فيها الصنائع وتفننت
ومن جملتها تعلم العلم وسوق العلم فيها نافقة"
قسمت
المدينة إلى قسمين متساويين، ولكنها لم تشهد طوال العصور الوسطى وجود شوارع
متعامدة على الشارع الأعظم. كما كان يوجد شارع مواز له يدل عليه الآن شارع
الجمالية كان يقود من باب العيد إلى باب النصر. وقد لعب هذا الشارع دوراً هاماً في
نشاط الخليفة إذ كانت مواكبه تسلكه للذهاب مثلاً إلى المصلى القائم خارج السور
الشمالي.
وقد طلب جوهر إلى القبائل والجماعات التي صحبته في فتح مصر أن تختط كل واحدة لنفسها خطة تنزل بها عرفت باسم "الحارة" (ج. حارات) ولم يقصد بالحارة في هذا الوقت الطريق الذي يمر فيه الناس بين المساكن كما هو الحال اليوم، وإنما جزءاً من مجموع مباني المدينة يمثل حياً كاملاً تتخلله الطرق وتوجد به الحمامات والأسواق والمساجد. وكان عدد الحارات الأولى للقاهرة نحو عشرة حارات أخذت في التزايد مع امتداد المدينة وورود طوائف جديدة إليها، وكان لكل حارة من حارت القاهرة باب يغلق عليها بعد صلاة العشاء ويفتح قبل صلاة الفجر بمعرفة "متولي الطوف ليلاً" أو "أصحاب العسس" .
ومن عجائب مدينة القاهرة أيضا موقع الجامع الازهر فمن المتعارف عليه فى
تصميم وإنشأ المدن الإسلامية ان الجامع دائما ما يكون فى قلب المدينة بحيث يسهل
الوصول إليه من كافة الاتجاهات الا ان هذا الجامع برغم انه الجامع الرئيسى للمدينة
لم يكن قط فى مركز المدينة فهو اقرب ما يكون لجنوب شرق المدينة منه للقلب وكان
المغزى لوجود الجامع بهذا الموقع الفريد بان يكون بالقرب من المدن والحواضر
الاسلامية السابقة على القاهرة الا وهى الفسطاط والعسكر والقطائع وبالاخص الفسطاط
ليكون إجتذاب الناس للمدينة الجديدة ودخولهم إيها فقط لحضور الدروس وصلاة الجمعة
حتى تم استباحتها وفتحها لعامة المصريين فى عهد الظاهر بيبرس فما كانت القاهرة قبل
ذلك الا ما يشبه القصور الملكية فى وقتنا وكان المتحكم بدخول وخروج الناس هو
المتولى فمن هو المتولى؟!
المتولى فى حد ذاته لم يكن شخصا بعينه بل هو
كيان وجهاز إدارى وتنفيذى كبير كجزء من اجزاء الجهاز الحكومى فى عهد الفاطميين ومن
تلاهم فى الحكم فكان هذا الجهاز هو المسئول عن تنظيم الدخول والخروج من المدينة
(الفيزا) بل والادهى أيضا المسئول عن حركة البيع والشراء ومراقبة السلع والموازين
فى المدينة لمكافحة الغش التجارى،وكان من طريقة عمل هذا الجهاز ان له مراقبين
للاسواق ينتقلون من مكان للاخر بطريقة لا تجعل البائع يدرى بمن هو المراقب
عليه،ومن مسئوليات المتولى ايضا مراعاة الآداب العامة فكان له طاقم من البصصين
يراقبون الشوارع،اما عن التنفيذ فكان عند باب زويلة كان يتم تنفيذ كافة العقوبات
والحدود عند باب
زويلة..
من أشهر من نفذ عليهم الحدود عند باب زويلة
كان رسل المغول عندما دقت (قطعت) اعناقهم وعلقت روؤسهم على باب زويلة،والاشهر من
بعدهما كان السلطان طومان باى اخر سلاطين
المماليك.
يتبع...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق